يتزايد التسليم بأن تغيّر المناخ يُعتبر حالة طوارئ صحية للبشر، ويظهر تأثيره بوضوح في غرف الانتظار بالمستشفيات والعيادات كل يوم، ليضيف عبئًا متزايدًا على الأنظمة الصحية المجهدة بالفعل.
مع وجود 170 مليون شخص يعملون في مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم، يمكن لقطاع الصحة أن يتبوأ مركزًا قياديًا في العمل على إيجاد الحلول لتغيّر المناخ، في ظل توفّر الدافع داخل القطاع لأخذ المبادرة. هذه أبرز رسالة جاءت في تقريرٍ جديد سيصدر قريباً عن مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحة (ويش)، مبادرة الصحة الشاملة لمؤسسة قطر بعنوان: “الصحة في أزمة المناخ: دليل لقادة الصحة”.
سيَصدر تقرير ويش 2020 الجديد، الذي ساهمت في إعداده مجموعة استشارية واسعة من الخبراء والقادة في مجالات البيئة والصحة والرعاية الصحية، بالشراكة مع إمبريال كوليدج لندن، تحت قيادة الدكتور ديفيد نابارو، المدير المشارك لمعهد الصحة العالمية في إمبريال كوليدج لندن، والمستشار الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة بشأن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وتغيّر المناخ، وفي مارس، تم تعيينه كمبعوث خاص لمنظمة الصحة العالمية بشأن كوفيد-19.
يُعتبر تغيّر المناخ أحد الموضوعات الأساسية للقاء الافتراضي بين قادة الصحة العالميين في الفترة من 15 إلى 19 نوفمبر -ويش2020- حيث سيتم إصدار العديد من التقارير التي تسلط الضوء على تحديات الرعاية الصحية.
ويبرز التقرير ضرورتين أساسيتين هما جعل أنظمة الرعاية الصحية قادرة على الصمود أمام تغيّر المناخ، وتقليص دورها في التسبب فيه. ويشير التقرير إلى أنه حتى النظم الصحية بالبلدان ذات الدخل المرتفع ليست مستعدة بشكل كافٍ للاستجابة للصدمات الرئيسية المتعلقة بالمناخ، فيما تُعتبر البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل هشة بشكل خاص. بالإضافة إلى ذلك، فإن أفضل تدابير التكيف مع تغيّر المناخ لن تكون كافية إذا لم يتم تقليص حجم التهديد الناجم عنه.
لاحظ المؤلفون أنه مع حجم القوة العاملة فيها، وارتفاع تكاليف خدمات الرعاية الصحية التي تدفع حجم الإنفاق إلى حوالي 8 تريليون دولار على مستوى العالم، فقد بات لدى مهنة الرعاية الصحية القوة التسويقية لدفع التغيير بشكل مباشر، خاصة عندما تتحالف مع قطاعات أخرى. يمكن للرعاية الصحية “الذكية مناخيًا”، بدورها، تقليل حصة القطاع البالغة 4.6 % من الانبعاثات الكربونية عالميًا، لجعل الأنظمة أكثر استدامة، ومرونة، وجودة.
من خلال تقديم “البطاقة المُفهرسة” للتوصيات عالية التأثير، يحث التقرير الحكومات على وضع قادة الصحة والمناخ في قلب خطط التعافي بعد جائحة كوفيد-19، وحزم التحفيز، حتى يُساهم التعافي بتسريع الانتقال إلى مجتمعات تعزز الصحة وتقلص انبعاثات الكربون.
وأكد الدكتور نابارو على توقيت المناقشات، قائلًا: “تتأثر صحتنا البدنية والنفسية بتغيّر المناخ في جميع أنحاء العالم. كلما نظرت في كيفية تأثير تغيّر المناخ على الناس، أدركت أن للعاملين في الرعاية الصحية دورًا جوهريًا. يمكنهم العمل كداعمين، من خلال الاعتماد على سلطتهم وشرعيتهم كعاملين في مجال الرعاية الصحية، والتواصل مع الناس في قطاعات مختلفة، من أجل ضمانٍ جماعيٍ للحفاظ على صحة الناس وتحسينها بالفعل، بالرغم من أن تغيّر المناخ يسبب تحديات هائلة. نأمل أن يكون التقرير المتعلق بتغيّر المناخ والصحة الذي نوقش خلال قمة ويش 2020 ذو قيمة للمهنيين في الرعاية الصحية في المستقبل المنظور”.
وتابع: “يُسعدنا حصول أكبر عدد ممكن من المهنيين في مجال الرعاية الصحية على “البطاقة المُفهرسة”، وأن ينظروا إلى الاقتراحات المتعلقة بما يمكنهم القيام به، كعاملين في الرعاية الصحية، وكذلك الاقتراحات الخاصة بكيفية العمل مع الآخرين للنظر في كيفية تحقيق التغيير فيما يتعلق بالمناخ، وبالقضايا الشائكة الأخرى التي يتعيّن علينا بشكل جماعي التعامل معها من أجل ضمان مستقبل مستدام ومنصف للجميع.”
تماشيًا مع تركيز ويش على الأبحاث القائمة على الأدلة والموجهة نحو صياغة السياسات، سيتم إصدار العديد من التقارير المؤثرة في نوفمبر لتتسق مع الموضوعات البحثية المتنوعة للقمة. وقد أبرم ويش شراكة مع المجلة الطبية البريطانية لتكليف مجموعتين من المقالات التي تمت مراجعتها من قبل الأقران حول آثار تغير المناخ على الأمراض المعدية، والتحديات المتزايدة للمدن الجافة. وستوجه هذه المقالات المناقشات في منتدى “تغيّر المناخ والأمراض المعدية” برئاسة البروفيسور راشيل لوي والبروفيسور جيريمي هيس. وينظر تقرير منتدى “المدن الجافة الصحية”، برئاسة مشتركة من البروفيسور هوارد فرومكين والدكتور مايتري داس، في كيفية تنامي التحديات الصحية التي تواجهها المدن الجافة – وبقية العالم – نتيجة آثار تغيّر المناخ.
تُعقد قمة ويش، التي تُقام كل سنتين، هذا العام، تحت شعار “صحتنا في عالم واحد”، لتأكيد رؤية ويش في السعي لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في خلق عالم أكثر صحة.